بسم الله الرحمن الرحيم: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الآية 1. أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن الغازي.
قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أحمد بن عليّ بن المثنى قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أحمد بن أبي عبيدة قال: حدثنا أبي، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة.
عن عروة قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله أبلى شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهمَّ إني أشكو إليك...
قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني، عن مطير، عن أبي كريب، عن محمد بن أبي عبيدة.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ الأصفهاني قال: أخبرنا عبدان بن أحمد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد. قال: أخبرنا يحيى بن عيسى الرملي قال: أخبرنا الأعمش عن تميم بن سلمة.
عن عروة: عن عائشة قالت: الحمد لله الذي توسع لسمع الأصوات كلها، لقد جاءت المجادلة فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جانب البيت لا أدري ما تقول، فأنزل الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} الآية 2.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا عليّ بن عمر الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن زياد النيسابوري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن الأشعث قال: أخبرنا محمد بن بكار قال: أخبرنا سعيد بن بشير أنه سأل قتادة عن الظهار.
قال: فحدثني أن أنس بن مالك قال: إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة، فشكت ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: ظاهر مني حين كبر سني ورقّ عظمي، فأنزل الله تعالى آية الظهار...
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس: (أعتق رقبة)، فقال: ما لي بذلك يدان، قال: (فصم شهرين متتابعين)، قال: أما إني إذا أخطأني أن لا آكل في اليوم مرتين كَلَّ بصري، قال: (فأطعم ستين مسكينا).
قال لا أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة، قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له، والله رحيم، وكانوا يرون أن عنده مثلها؛ وذلك لستين مسكينا.
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا محمد بن محمد بن عبد الله بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن سيار قال: أخبرنا عبد العزيز بن يحيى بن يوسف حدثنا أبو الأصبع الحراني قال: أخبرنا محمد بن مسلمة، عن محمد بن إسحاق، عن معمر بن عبد الله بن حنظلة.
عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: حدثتني خويلة بنت ثعلبة وكانت عند أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت، قالت: دخل عليّ ذات يوم وكلمني بشيء وهو فيه كالضجر، فراددته فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمي.
ثم خرج في نادي قومه ثم رجع إليّ فراودني عن نفسي، فامتنعت منه، فشادني فشاددته فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف، فقلت: كلا والذي نفس خويلة بيده لا تصل إلي حتى يحكم الله تعالى فيّ وفيك بحكمه....
ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أشكو ما لقيت، فقال: زوجك وابن عمك اتقي الله وأحسني صحبته، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} حتى انتهى إلى الكفارة، قال: (مريه فليعتق رقبة)، قلت: يا نبي الله والله ما عنده رقبة يعتقها، قال: (مريه فليصم شهرين متتابعين).
قلت: يا نبي الله والله إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: (فليطعم ستين مسكينا)، قلت: يا نبي الله والله ما عنده ما يطعم، قال: (بلى سنعينه بعرق من تمر مكتل يسع ثلاثين صاعا)، قالت: قلت: وأنا أعينه بعرق آخر، قال: (قد أحسنت فليتصدق).
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} الآية 8.
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في اليهود والمنافقين؛ وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو مصيبة أو هزيمة.
فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى يقدم أصحابهم وأقرباؤهم، فلما طال ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} الآية 8.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الخشاب قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني قال: أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال: أخبرنا قُتيبة بن سعيد قال: أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق.
عن عائشة قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مه يا عائشة فإن الله تعالى لا يحبّ الفحش ولا التفحش)، فقلت: يا رسول الله ألست ترى ما يقولون؟ قال: (ألست ترين أرد عليهم ما يقولون؟ أقول: وعليكم)، ونزلت هذه الآية في ذلك: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الغازي قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا زهير بن محمد قال: أخبرنا يونس بن محمد قال: أخبرنا شيبان، عن قتادة، عن أنس أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك، فرد القوم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (هل تدرون ما قال؟)
قالوا: الله ورسوله أعلم سلم يا نبي الله. قال: (لا ولكن قال السام عليكم، ردوه)، فردوه عليه، فقال: (قلت السام عليكم؟) قال: نعم، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: وعليكم، أي عليك ما قلت)، ونزل قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} الآية 11.
قال مقاتل: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصُّفة وفي المكان ضيق وذلك يوم الجمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجلس، فقاموا حيال النبيّ صلى الله عليه وسلم على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم، وشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من غير أهل بدر: (قم يا فلان وأنت يا فلان).
فأقام من المجلس بقدر النفر الذي قاموا بين يديه من أهل بدر، فشقّ ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبيّ صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم، فقال المنافقون للمسلمين: ألستم تزعمون أن صاحبكم يعدل بين الناس؟ فوالله ما عدل بين هؤلاء: قوم أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم أقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} الآيتان 12-13.
قال مقاتل بن حيان: نزلت الآية في الأغنياء، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من طول جلوسهم ومناجاتهم.
فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، وأمر بالصدقة عند المناجاة، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئًا، وأما أهل الميسرة فبخلوا واشتد ذلك على أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت الرخصة.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} كان لي دينار فبعته بدراهم، وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد، فنسخت بالآية الأخرى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآيات 14-18.
إلى قوله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وقال السدي ومقاتل: نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق كان يجالس النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره، إذ قال: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (علام تشتمني أنت وأصحابك؟) فحلف بالله ما فعل ذلك، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: (فعلت)، فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر، أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي، أخبرنا أبو جعفر النفيلي، أخبرنا زهير بن معاوية.
أخبرنا سماك بن حرب قال: حدثني سعيد بن جبير أن ابن عباس حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ظلّ حجرة من حجره وعند نفر من المسلمين قد كاد الظلّ يقلص عنهم، فقال لهم: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تكلموه.
فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه، فقال: (علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟) نفر دعا بأسمائهم، فانطلق الرجل فدعاهم.
فحلفو بالله واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} رواه الحاكم في صحيحه عن الأصم، عن ابن عفان، عن عمرو العنقزي، عن إسرائيل، عن سماك.
قوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية 22.
قال ابن جريج: حُدِّثت أن أبا قحافة سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم فصكه أبو بكر صكة شديدة سقط منها، ثم ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أو فعلته؟) قال: نعم، قال: (فلا تعد إليه)، فقال أبو بكر: والله لو كان السيف قريبًا مني لقتلته، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أُحد. وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البزار، فقال: يا رسول الله دعني أكن في الرحلة الأولى، فقال له رسول الله: (متعنا بنفسك يا أبا بكر، أما تعلم أنك عندي بمنزلة سمعي وبصري).
وفي مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أُحد. وفي عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وفي علي وحمزة وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر، وذلك قوله: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
المصدر: موقع إسلام ويب